تعتبر القوة ( المادية والمعنوية ) من أهم العوامل الرئيسية والجوهرية في تحقيق أي انتصار عظيم على الساحة العملية و خاصة في الميادين العسكرية والحربية والاقتصادية… وبهذه القوة الضاربة تنال الشعوب حقوقها كاملة وتصان عرضها وتحفظ كرامتها.. فهي في الحقيقة هيبة وعزة وعظمة لمن يملكها وركن مكين تحمي السيادة والاستقلال وحصن حصين من اعتداء المعتدين وجور الجائرين والمتكبرين.. فالدولة العادلة والفاضلة التي تحكم بالعدل والحق والفضيلة لا يمكن أن تتحقق إطلاقا إلا بالقوة ومقوماتها وأعني بها ( القوة المادية والمعنوية الرفيعة ) حتى تحفظها وتحميها.. فالآية الكريمة من سورة الأنفال رقم (60 ) : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } تأمر المسلمين أن يعدوا من أسباب القوة والمناعة الداخلية والخارجية ما يستطيعون به أن يرهبوا عدوهم ويردعوه فهم على حق وعلى خير والحق أعداؤه كثيرون وسيعملون جهدهم ( ليلا ونهارا) لمحاربة الخير والحق أينما وجد و أينما ظهر. لقد استطاع الرسول الأكرم (ص) خلال ثلاثة وعشرون عاما من الجهاد والنضال والتضحية والسعي المتواصل تنفيذ برامجه الإصلاحية الواحد تلو الآخر وجابه بفضل الاعتماد على قوة الإيمان بالله والاستفادة الصحيحة والحكيمة من القوة المادية التي أتيحت على يديه المباركة مع استثمار الفرص المناسبة والظروف الملائمة كانت في الأساس نجاح رسول الله (ص) وتوفيقه في جميع شؤون حياته المادية والمعنوية .. فساهم إسهاما عظيما وكبيرا في تغيير شخصية الإنسان والمجتمع آنذاك واستعاد لهما عزتهما وكرامتهما وحريتهما التي كانت مفقودة تماما بشكل واضح.كذلك حطم الرسول الأعظم (ص) كل الأصنام الحجرية والبشرية التي صنعتها أيدي الجهل والضلالة وهدم معابد الوثنية وحرر الجاهلين من أسر عبادة الأصنام والأخشاب والحجارة ليهديهم إلى عبادة الواحد الأحد الفرد الصمد.. كما عمل الرسول (ص) على اقتلاع جذور الفوارق الطبقية والقبلية والعنصرية التي كانت مظهرا من مظاهر الظلم والجور وعاملا من عوامل الفساد الأخلاقي والاجتماعي فساوى بين الناس في الحقوق والعدل والحرية كما طهر عقولهم من العداوة والبغضاء والحقد والحسد وغيرها التي كانت تسبب الكثير من المجازر الوحشية والجرائم الهمجية آنذاك وبث مكانها روح الأخوة والمحبة والمساواة التي تبعث على سلامة الإنسان وسعادته ورقيه وتطوره .
وينقل لنا التاريخ الإسلامي أيضا عن قصة عجيبة عندما اكتسح جيش المغول النصف الشرقي من العالم الإسلامي وأراد أن يكتسح النصف الغربي منه تمكن أحد علماء مصر وهو ( عز الدين بن عبد السلام ) من أن يوقظ الشعب المسلم حيث جمع الأمراء والحكام وقال لهم : " إنكم جئتم مماليك إلى بلادنا وصرتم في هذا البلد ملوكا فمن حق البلد عليكم أن تدافعوا عنه فإن في الدفاع عنه دفاع عن الإسلام وعن حياتكم وحياة شعبكم فإن التتر جاؤوا ليقتلعوا جذور الإسلام فإذا سقطت شجرة الإسلام سقطتم أنتم وسقط الإسلام معكم " . فانقادوا إلى الشيخ وأمروا على أنفسهم ملكا يسمى بالأمير " قطز " وسموه الملك الظافر ثم أنه اجتمعت كلمة الدولة والشعب على أن يقفوا أمام جيش المغول لكن الأمراء والحكام قالوا للشيخ : " ليس عندنا أموال للحرب فاطلب أيها الشيخ من الناس أن يتبرعوا لنا حتى نجهز الجيش " .
قال الشيخ : " لا أطلب من الناس شيئا حتى تخرجوا ما في قصوركم من الذهب والفضة ومن عند نسائكم من الحلي والزينة وأن تخلصوا في البذل لله سبحانه وتعالى ليأتيكم منه النصر ". فأطاعوه وأخرجوا ما عندهم ولما رأى الناس أن الأمراء والحكام يبذلون ما عندهم تسابقوا إلى البذل والجود وكثرة الأموال فأعدوا العدة وجمعوا السلاح وأقيمت معسكرات التدريب في كل مكان واهتزت أركان البلاد بالهتاف والتكبير والتهليل !!! وهكذا دب الإيمان في نفوسهم حتى جعلهم يشتهون الوصول إلى المعركة وإلى الشهادة كما يشتهي المحب وصال حبيبه وكان الشيخ يدور عليهم ويوقظ فيهم روح الجهاد والشهادة وكلما خبت شعلة الإيمان في بعض النفوس زادها من إيمانه نورا فخرج الجيش على أتم هيئة وأكمل استعداده النفسي والعسكري تتقدمه فرسان المماليك حتى بلغ منطقة ( بيسان ) في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة وأراد أن ينحدر من أعالي الهضاب إلى عين الجالوت فوجد تحته جيش المغول الجارف بأعداده الضخمة ولما رأوا هذا الجيش الضخم كادوا يجزعون من الأمر حيث تذكروا كم اجتاحت هذه السيول البشرية في طريقها من جيوش كانت أعظم خطرا من هذا الجيش الصغير مما لم تتمكن تلك الجيوش الهائلة أن تقف أمام هذا السيل الجارف فكيف يتمكن هذا الجيش الصغير الوقوف أمامه ؟؟؟ لكن الشيخ قام يذكرهم بما يضمن لهم من النصر استنجازا لوعد الله واعتمادا على قوله سبحانه حيث يقول : { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } . وهكذا تقابل الجيشان جيش المغول وجيش مصر فانهزم التتر واخترقوا كل جيش وهزموا كل جماعة وانتصر المسلمون انتصارا كبيرا ولولا إيمانهم الكبير وعزيمتهم الصادقة وإرادتهم الصلبة لما تمكنوا بالفعل من إلحاق جيش المغول بأكبر هزيمة له في هذه المعركة المصيرية .. ومثل هذه القصة في التاريخ الإسلامي قصص كثيرة حيث أن الله سبحانه وتعالى وعد المسلمين النصر والغلبة وعدم الاستسلام والخضوع أمام الأقوياء والطغاة .. فكلما خبت في نفوسهم ثورة الإيمان أيقظها الله عز وجل من جديد حتى يسير الإسلام المحمدي مسيره ويشق طريقه في الحياة.